لجنة الفتوى تدافع عنها.. وعلماء الأزهر يؤكدون عدم صحتها..
فتوى دينية تحدث شقاقا بين الأزواج
مشاهدة الأفلام المخلة فتوى جديدة.. تثير جدلا واسعا فى الشارع المصرى
علماء الاجتماع:
هذا الأمر يعتبر شذوذا وخروجا على النسيج الاجتماعى المألوف
علماء النفس:
القضية لا تتعلق ببعد نفسى ولكنها تعكس غياب الوازع الدينى وتلاشى قيم الحياء
الجمهور:
البعض يستنكرها بشدة والبعض الآخر يوافق بحذر
يشهد الشارع المصرى هذه الأيام جدلا واسعا من جراء ما جاءت به لجنة الفتوى بالأزهر حول ايجازها امكانية طاعة المرأة لزوجها فى مشاهدة الأفلام الجنسية "البورنو" إذا قام بتهديدها بالطلاق حفاظا على الكيان الأسرى واعتبار ذلك من الضرورات التى تباح معها المحظورات.. وقد لاقت هذه الفتوى رفضا صارما من علماء الأزهر الذين أكدوا بطلانها وعدم صحتها..
وعلى الصعيد الآخر أثارت هذه الفتوى تساؤلا خطيرا خاصة وأن ارغام زوج زوجته على مشاهدة هذه الأفلام تكررت كثيرا فى الفترة الأخيرة مما قد يحولها إلى ظاهر تعصف بأخلاقيات وقيم المجتمع فهل يقبل الأزواج والزوجات مثل هذا الأمر؟ وما هو التحليل الاجتماعى والنفسى لذلك؟ وهل يباح ذلك دينيا بالفعل ويوضع تحت قاعدة الضرورة التى أعطاها لنا الشارع الحكيم؟
هذا ما نحاول الاجابة عليه من خلال التحقيق التالى:
بداية يدافع الشيخ على أبو الحسن رئيس لجنة الفتوى بالأزهر عن فتواه قائلا ان اللجنة لم تفتى بمشاهدة هذه الأفلام على اطلاقها ولكن الحقيقة أن امرأة خيرها زوجها بين أمرين إما الطلاق البائن وإما أن ترى فيلما من هذه الأفلام فما كان من اللجنة إلا أن أفتت بأن الطلاق ضرر يتعدى المرأة إلى أولادها وتشردهم ويؤدى إلى تشتيت الأسرة وهذا محرم لروح التشريع ومشاهدة الفيلم الجنسى أيضا محرم ولكنه أقل ضررا من الأول.
ويضيف الشيخ أبو الحسن أننا لم نقل أن تطيع المرأة زوزجها فى ما حرم الله ولكن تربط الحكم بارتكاب أخف الضررين وهو أصل تشريعى وعقلى ويعد ذلك من باب الضرورات التى أباحها الشارع الحكيم ولا تستعمل المرأة هذه الرخصة التى أجبرت عليها إلا مرة واحدة فالضرورة تقدر بقدرها.. أما إذا أجبرها زوجها على التكرار لا تطيعه حتى اذا وقع الطلاق لأنه لا يصلح زوجا فى هذه الحالة لأنه فى المرة الأولى ربما كان يريد أن يعلمها شيئا تجهله أما طلبه التكرار يدخله فى باب الشذوذ وهو ما لا نقبل به أبدا.
وترفض الدكتورة سعاد صالح رئيس قسم الفقه بكلية البنات الاسلامية بالأزهر ما جاء فى هذه الفتوى جملة وتفصيلا معللة هذا الرفض بقولها أن الأصل أنه لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق والله عز وجل حينما عبر عن طاعة الزوجة لزوجها فى سورة النساء قال [فالصالحات قانتات حافظات] إلى آخر الآية، فالزوجة تكون حريصة على حفظ منهج الله وعلى طاعة زوجها فى كل ما أمر الله به ومن القواعد الشرعية "ان دفع المفسدة مقدم على جلب المصلحة" و"أن طريق الحرام حرام ومن اجبار الزوج زوجته على مشاهدة هذه الأفلام الخليعة يتعارض مع حقيقة الطاعة ومع القواعد الفقهية المستنبطة ولا يدخل هذا الأمر فى باب الضرورات مطلقا لأن الاسلام قيد الضرورة ووضع لها شروطا فهى ما جاء فيها فى كتاب الله عز وجل [فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه] وقوله تعالى [فمن اضطر فى مخمصة غير متجانف لإثم] فالضرورة هى ما يتوقف عليها قوام الانسان بحيث أنه يضطر الى أن يأكل الميتة أو يشرب الخمر وهذه هى الضرورة وما عدا ذلك فليس بضرورة.. أما اجبار الزوجة على مشاهدة هذه الأفلام يعتبر نوع من الاكراه واذا خيرها زوجها بين المشاهدة والطلاق فانها تختار الطلاق لأن هذا الزوج لا يؤتمن على أهل بيته.
أما الداعية الاسلامى الشيخ يوسف البدرى فيرى أنه من المعلوم فى الاسلام أن الزوجة لابد أن تطيع زوجها فقد جاء فى الحديث الشريف "خير ما يكنز أحدكم بعد تقوى الله امرأة صالحة تعينه على تقوى الله إذا نظر إليها سرته وإذا أمرها أطاعته وإذا غاب عنها حفظته فى ماله ونفسها" وهذا الحديث ليس مجرد اخبار انما هو أمر واجب الطاعة أى هو تقنين لما يجب أن تكون عليه الزوجة إلا أن هذا الحديث لا يؤخذ باطلاقه حيث جاء فى حديث آخر أن الطاعة تكون فى الأمور التى لم يحرمها الشرع [لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق] وبناء عليه فإن المرأة غير مأمورة بأن تطيع زوجها فى المعاصى إذا أمرها بذلك فالرسول (ص) "إنما الطاعة فى المعروف" والضرورات تكون لحفظ النفس من التلف وماعداها لا ضرورة فيه مطلقا..
ويضيف البدرى أن الطلاق حلال وإن كان بغيضا إلى الله.. وطلاق المرأة لا يدفعه أى سبب ولا يرتكب بسبب عدم وقوعه أى مخالفة شرعية تبيح ما حرم الله.. وأمر الزوج زوجته بأن تشاهد معه الأفلام المخلة بالآداب والنظر إلى أشياء تجلب غضب الله لا يجوز ومثل هذه الأفعال المحرمة والمجرمة جرائم ترتكب بحق المجتمع عامة مسلما كان أو غير مسلم فهذه الأفعال تنهى عنها الطباع السليمة والقيم الأخلاقية الأصيلة فى المجتمع..
ويتساءل الشيخ البدرى كيف تجيز لجنة الفتوى ادخال هذه الأشياء إلى بيوت المسلمين حتى ولو كانت لمرة واحدة؟ فقد كان من الأجدر لها أن تقول للمرأة أن الطلاق أهون من معصية الله وإن مبدأ الضرورات ليس على اطلاقه إنما يكون لحفظ النفس فقط وإن هذه الأفلام تهدد الدين وتضيع طاعة الله أما الطلاق فلن تهلك بوقوعه الأنفس بل تحمى به المرأة نفسها وأسرتها وعرضها.. وإن فى هذه الفتوى تجاوزا كبيرا فالإسلام لم يبح أكل الربا لضرورة حفظ النفس فكيف تبيح معصية الله تخوفا من طلاق الزوجة فإذا كان رب البيت بالدف ضارب فكيف تستطيع أن تحمى أهل البيت.
هذا هو رأى علماء الدين فماذا عن رأى الشارع.. تقول "ر.ع.س" سيدة متزوجة "35" سنة المرأة المسلمة نشأت على الخجل، لكنها مطالبة أيضا بطاعة الزوج، ومن هنا فأنا أوافق على شرط زوجى بمشاهدة مثل هذه الأفلام اذا كانت تحقق له السعادة لأنه ربما يشعر تحت ضغط الظروف الاقتصادية بفقدان الرغبة فى الحياة الجنسية مما قد يصيبه بالاكتئاب والاحباط، وقد تكون مشاهدة هذه الأفلام بالنسبة له وسيلة لتغيير نمط الحياة المعتاد والتجديد شئ مهم فى حياة الزوج وقد يخرجه من حالة الملل المسيطرة عليه ولذلك فإننى قد أوافق زوجى على مشاركته مشاهدة هذه الأفلام ارضاء له بشرط أن يكون ذلك سرا وبعيدا عن الأطفال، وعلى أن يكون ذلك أيضا بصفة غير مستمرة حتى لا يدمن زوجى هذا الأسلوب لأنه فى النهاية لا يوجد أفضل من الطبيعة.
أما "أ.م.ع" "30 سنة" فترى صعوبة فى أن توافق زوجها على مثل هذا الشرط لأنه يتنافى مع الدين والقيم الأخلاقية وتقول كيف أقبل أن أشاهد زوجى وهو ينظر إلى امرأة عارية أخرى حتى ولو كانت فى حضن رجل آخر، فهذا منافى تماما للشريعة الاسلامية.. فضلا عن أن ذلك يجرح كبريائى وكرامتى كأنثى حيث أبدو وكأننى فاقدة كل عناصر الاثارة والأنوثة التى يحتاجها زوجى، وكيف تقبل امرأة شعور أنها لا تشبع زوجها أو أنها غير قادرة على احتوائه وتملأ عينه، ولو كنت فى مكان أى زوجة يطلب منها زوجها مشاركته فى مشاهدة فيلم جنسى لرفضت ذلك حتى ولو أقسم اليمين على، لأنى أيضا لن أخالف شريعة الله ولن أقبل أن أنظر لصورة رجل آخر غير زوجى، ولا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق..
ويرفض خلف ثابت محاسب "متزوج" حدوث مثل ذلك الأمر قائلا لا أوافق أن ترى زوجتى مشاهد خليعة أو أفلاما تخدش الحياء ولا حتى أسمح لنفسى بالموافقة على أن ترى هذا مع صديقاتها مثلا كما نسمع، لأن العلاقة بيننا تقوم أساسا على نوع من الاحترام المتبادل، واذا سمحت الزوجة أو الزوج بنوع من العرى النفسى فإنما يكون ذلك أمام كل منهما الآخر وليس أمام الآخرين... فكيف أسمح لنفسى بأن ترى زوجتى عورات الآخرين.. أين رجولتى فى هذه الحالة وبالمثل كيف توافق زوجتى على اندهاشى وانبهارى بمنظر معين خصوصا وأن الشركات التى تصنع هذه المشاهد أو الأفلام تحرص على انتقاء نوعيات معينة تتميز بالجمال الساحر فهل زوجتى ذلك.. ثم ان العلاقة الخاصة جدا بين الزوجين تبقى أحد الأسرار المقدسة لبيت الزوجية كل حسب طاقته وقدرته، وفى حدوث هذا الأمر ما يمكن أن يكون سببا فى تدمير العلاقة الزوجية من أساسها.
وعن رؤية علماء الاجتماع فى هذه المسألة يقول د. زكى عثمان أستاذ الاجتماع بجامعة الأزهر أنه لا ينبغى من الأساس مشاهدة الأفلام الجنية لا للزوج أو الزوجة لأنها غالبا ما تكون فى أوضاع مخلة وغير طبيعية كما أن مثل هذه المشاهد يراد بها إثارة الغرائز الكامنة.. وإذا كان هذا ما يتطلبه الشباب غير المؤمن بالله والذى يبحث عن إرضاء الغريزة بأية وسيلة مهما كانت طبيعتها ومصدرها فهذا هو الشباب غير المتزوج بطبيعة الحال، أما الرجل وزوجه فلا يعوزهما مثل هذه المشاهد غير الطبيعية والتى تنتجها شركات كل همها أن تثير الغرائز وهذا ما لا ينبغى أن يشاهده الزوج والزوجة وهما فى بيت واحد.
ويضيف د. عثمان ان هذه المشاهد الخليعة قد تدفع الزوج إلى أن ينظر إلى غير زوجته والعكس وعليه فينبغى النهى أساسا عن مشاهدة هذه الأفلام المخلة التى لا يقرها ديننا ولا مجتمعنا ولا ثقافتنا.. وهذه المطالب خليعة ووضيعة ولا يصح أن تلبى ومن المفروض بين الأزواج ثياب من العفة ولا بأس من المداعبة ولهما أن يبديا فى مخدعهما ما يثيرهما فى حدود ما أحل الله.. أما مشاهدة الأفلام الجنسية فهى ضد نسيج المجتمع الذى يحافظ على القيم والأخلاق والثقافة ومثل ذلك الأمر يعتبر شذوذا عن النسيج الاجتماعى المألوف.
ويبدأ د. مجدى رفاعى استشارى الأمراض العصبية والنفسية تحليله لهذا الأمر بقول الله عز وجل [قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها] ويقول أن هذه القضية باختصار لا تتعلق ببعد نفسى ولكنها تعكس فى الغالب غياب الوازع الدينى وتلاشى قيم الحياء... ففى أدب التضاجع بين الزوجين أحاديث نبوية كثيرة منها "لا تتضاجعوا كالبهائم" كما أن اجبار الزوجة على مشاهدة ما لا ترضى أمر يتنافى مع الأخلاقيات الانسانية.. وان من يجبر زوجته على هذا السلوك إما أن يكون عقله مغيب بحبوب مخدرة أو كحوليات أو أى شئ يذهب بالعقل، لأن الزوج العاقل لا يقبل هذا، وإما أن يكون يعانى نوع من أنواع الاضطراب فى الشخصية، أو نوع من الاضطراب فى بعض النواحى الجنسية بحيث أنه لا يشعر بالنشوة إلا إذا رأى هذه العملية أمامه باعتبارها مثير قوى بالنسبة له وهو ما نعتبره اضطراب نفسى وشذوذ فكرى... وإما أن يكون نوع من الضعف الجنسى العضوى، أو يكون الذكر سريع القذف فيحاول استثارة زوجته بهذه المشاهدات حتى يصلا للنشوة فى وقت واحد... والكارثة الكبرى أنه من الممكن أن قد يحدث اشباع لرغبات بعض الأزواج عن طريق مشاهدة هذه النوعية من الأفلام وليس اثارتهم مما يؤدى بهم فى النهاية إلى تدمير العلاقة الزوجية من أساسها..